Kitab Risalah Ahlussunnah Wal Jamaah Karya Hadratusy Syekh Hasyim Asy’ari

Kitab Risalah Ahlussunnah Wal Jamaah Karya Hadratusy Syekh Hasyim Asy'ari

Kitab Risalah Ahlussunnah Wal Jamaah Karya Hadratusy Syekh Hasyim Asy’ari

Dari : Yai Abdullah Afif

رِسَالَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ

Bacaan Lainnya

فِيْ حَدِيْثِ الْمَوتَى وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَبَيَانِ

مَفهُوْمِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ

تَأْلِيْفُ

الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّد هَاشِمْ أَشْعَرِي

اَلرَّئِيْسِ الْأَكْبَرِ لِجَمْعِيَّةِ نَهْضَةِ الْعُلَمَاءِ

عَفَا اللهُ عَنْهُ وَعَنْ وَالِدَيْهِ وَعَنْ مَشَايِخِهِ وَعَنْ جَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْن

آمِينْ

مُقَدِّمَةٌ وَتَمْهِيْدٌ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيْمِ

حَمْدًا وَتَمْجِيْدًا لِمَنْ قَالَ فِيْ كِتَابِهِ الْمُبِيْنِ، وَهُوَ أَصْدَقُ الْقَائِلِيْنَ، ) هُوَ الَّذِيْ أَرْسَلَ رَسُوْلَهُ بِالْهُدَى وَدِيْنِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّيْنِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُوْنَ)، صَلَاةً وَتَسْلِيْمًا عَلَى سَيِّدِنَا وَشَفِيْعِنَا وَوَسِيْلَتِنَا إِلَى رَبِّنَا مُحَمَّدٍ اَلْقَائِلِ: {أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيْثَ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ}، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ، صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ.

وَبَعْدُ، فَهَذَا كِتَابٌ جَلِيْلٌ يَحْتَوِيْ عَلَى مَقَاصِدَ مُفِيْدَةٍ وَمَبَاحِثَ عَدِيْدَةٍ، تَنْفَعُ الْمُسْلِمِيْنَ الْمُحْتَاجِيْنَ إِلَى تَحْقِيْقِ الْعَقَائِدِ الدِّيْنِيَّةِ، وَإِلَى الْاِجْتِمَاعِ بِالْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ الَّذِيْنَ هُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، رَدَّ فِيْهِ مُؤَلِّفُهُ عَلَى ضَلَالَاتِ الْمُبْتَدِعِيْنَ الْكَاذِبِيْنَ، وَصَرَّحَ فِيْهِ شُبُهَاتِ الْمُلْحِدِيْنَ الضَّالِّيْنَ.

فَهُوَ إِذًا حُجَّةٌ وَبُرْهَانٌ، وَتَوْضِيْحٌ وَبَيَانٌ، فِيْهِ لِلْمُسْلِمِيْنَ عِزَّةٌ وَكَرَامَةٌ، وَلَهُمْ فِيْهِ نَجَاةٌ وَسَلَامَةٌ، إِذْ حَقَّقَ فِيْهِ مُؤَلِّفُهُ الْعَقَائِدَ الصَّحِيْحَةَ عَلَى طَرِيْقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.

وَمَعْشَرُ الْمُسْلِمِيْنَ الْيَوْمَ أَشَدُّ حَاجَةً إِلَى ذَلِكَ، وَقَدْ اِخْتَلَطَ فِيهِمْ اَلْأَفَاضِلُ بِالْأَرَاذِلِ، وَالْتَبَسَ عَلَيْهِمْ اَلْحَقُّ بِالْبَاطِلِ، وَتَصَدَّرَ لِلْفَتْوَى كُلُّ جَاهِلٍ، مِمَّنْ يَقْصُرُ إِدْرَاكُهُ عَنْ فَهْمِ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ الْكِتَابُ بِالْإِيْضَاحِ وَالتَّدْقِيقِ، بَعِيْدًا عَنِ التَّلبِيْسِ وَالتَّزْوِيْقِ، لِيَبْتَعِدُوْا عَنْ مَوَاقِعِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ، وَيَكُوْنُوْا مُوَفَّقِيْنَ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ.

وَكَيْفَ لَا، وَقَدْ كَانَ مُؤَلِّفُهُ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مُحَمَّدْ هَاشِمْ أَشْعَرِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ أَكَابِرِ عُلَمَاءِ إِنْدُوْنِيْسِيَا وَمِنْ مُؤَسِّسِيْ جَمْعِيَّةِ نَهْضَةِ الْعُلَمَاءِ، وَهِيَ جَمْعِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ بِقُوَّةِ تَمَسُّكِهِمْ بِسُنَّةِ خَاتَمِ النَّبِيِّيْنَ وَشِدَّةِ اعْتِمَادِهِمْ عَلَى خِطَّةِ أَسْلَافِهِمْ اَلصَّالِحِيْنَ.

فَجَزَى اللهُ تَعَالَى مُؤَلِّفَهُ خَيْرًا كَثِيْرًا، وَغَفَرَ لَهُ وَلِأُصُوْلِهِ وَفُرُوْعِهِ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، وَنَفَعَ بِهِ وَبِعُلُوْمِهِ الْمُسْلِمِيْنَ، وَجَعَلَ عَمَلَهُ مِنْ إِحْيَاءِ سُنَّةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِيْنَ. هَذَا، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ.

تبوئرنج، 1 رجب 1418

كتبه سبط المؤلف

محمد عصام حاذق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

اَلْحَمْدُ للهِ شُكْرًا عَلَى نَوَالِهِ, وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَﺁلِهِ, وَبَعْدُ, فَهَذَا كِتَابٌ أَوْدَعْتُ فِيْهِ شَيْئًا مِنْ حَدِيْثِ الْمَوْتَى وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ, وَشَيْئًا مِنَ الْكَلَامِ عَلَى بَيَانِ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ, وَشَيْئًا مِنَ الْأَحَادِيْثِ بِقَصْدِ النَّصِيْحَةِ, وَالَى اللهِ الْكَرِيْمِ أَمُدُّ اَكُفَّ الْاِبْتِهَالِ, أَنْ يَنْفَعَ بِهِ نَفْسِيْ وَأَمْثَالِيْ مِنَ الْجُهَّالِ, وَأَنْ يَجْعَلَ عَمَلِيْ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيْمِ, إِنَّهُ جَوَادٌ رَؤُوْفٌ رَحِيْمٌ, وَهَذَا أَوَانُ الشُّرُوْعِ فِي الْمَقْصُوْدِ, بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْمَعْبُوْدِ .

فَصْلٌ فِيْ بَيَانِ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ

اَلسُّنَّةُ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيْدِ كَمَا قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِيْ كُلِّيَّتِهِ : لُغَةً اَلطَّرِيْقَةُ وَلَوْ غَيْرَ مَرْضِيَّةٍ. وَشَرْعًا اِسْمٌ لِلطَّرِيْقَةِ الْمَرْضِيَّةِ الْمَسْلُوْكَةِ فِي الدِّيْنِ سَلَكَهَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ عُلِمَ فِي الدِّيْنِ كَالصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِيْ وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ مِنْ بَعْدِيْ. وَعُرْفًا مَا وَاظَبَ عَلَيْه مُقْتَدًى نَبِيًّا كَانَ اَوْ وَلِيًّا. وَالسُّنِّيُّ مَنْسُوْبٌ اِلَى السُّنَّةِ حُذِفَ التَّاءُ لِلنِّسْبَةِ.

وَالْبِدْعَةُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ زَرُوْقٌ فِيْ عُدَّةِ الْمُرِيْدِ : شَرْعًا إِحْدَاثُ اَمْرٍ فِي الدِّيْنِ يُشْبِهُ اَنْ يَكُوْنَ مِنْهُ وَلَيْسَ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ بِالصُّوْرَةِ اَوْ بِالْحَقِيْقَةِ. لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَحْدَثَ فِيْ اَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ. وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَكُلُّ مُحْدَثٍ بِدْعَةٌ.

وَقَدْ بَيَّنَ الْعُلَمَاءُ رَحِمَهُمُ اللهُ أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْحَدِيْثَيْنِ الْمَذْكُوْرَيْنِ رَاجِعٌ لِتَغْيِيْرِ الْحُكْمِ بِاعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ قُرْبَةً لَا مُطْلَقِ الْإِحْدَاثِ, اِذْ قَدْ تَنَاوَلَتْهُ الشَّرِيْعَةُ بِأُصُوْلِهَا فَيَكُوْنُ رَاجِعًا اِلَيْهَا اَوْ بِفُرُوْعِهَا فَيَكُوْنُ مَقِيْسًا عَلَيْهَا.

قَالَ: وَمَوَازِيْنُهَا ثَلَاثَةٌ:

(اَلْأَوَّلُ) أَنْ يُنْظَرَ فِي الْأَمرِ الْمُحْدَثِ، فَإِنْ شَهِدَ لَهُ مُعْظَمُ الشَّرِيْعَة وَأَصْلُهَا فَلَيْسَ ببدْعَةٍ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَأْبَى ذَلِكَ بِكُلِّ وَجْهٍ فَهُوَ بَاطِلٌ وَضَلَالٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا تَرَاجَعَتْ فِيْهِ الْأَدِلَّةُ وَتَنَاوَلَتْهُ الشُّبْهَةُ وَاسْتَوَتْ فِيْهِ الْوُجُوْهُ اُعْتُبرَتْ وُجُوْهُهُ، فَمَا تَرَجَّحَ مِنْ ذَلِكَ رُجِعَتْ إِلَيْهِ.

(اَلْمِيْزَانُ الثَّانِيْ) اِعْتِبَارُ قَوِاعِدِ الْأَئِمَّةِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ الْعَامِلِيْنَ بِطَرِيْقِ السُّنَّةِ، فَمَا خَالَفَهَا بِكُلِّ وَجْهٍ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَمَا وَافَقَ أُصُوْلَهُمْ فَهُوَ حَقٌّ وَإِنْ اخْتَلَفُوْا فِيْهِ فَرْعًا وَأَصْلًا، فَكُلٌّ يَتْبَعُ أَصْلَهُ وَدَلِيْلَهُ، وَقَدْ وَقَعَ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ أَنَّ مَا عَمِلَ بِهِ السَّلَفُ وَتَبِعَهُمْ اَلْخَلَفُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُوْنَ بِدْعَةً وَلَا مَذْمُوْمًا، وَمَا تَرَكُوْهُ بِكُلِّ وَجْهٍ وَاضِحٍ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُوْنَ سُنَّةً وَلَا مَحْمُوْدًا، وَمَا أَثْبَتُوْا أَصْلَهُ وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُمْ فِعْلُهُ فَقَالَ مَالِكٌ بِدْعَةٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتْرُكُوْهُ إِلَّا لِأَمْرٍ عِنْدَهُمْ فِيْهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ بِبِدْعَةٍ وَإنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ السَّلَفُ لِأَنَّ تَرْكَهُمْ لِلْعَمَلِ بِهِ قَدْ يَكُوْنُ لِعُذْرٍ قَامَ بِهِمْ فِي الْوَقْتِ أَوْ لِمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَالْأَحْكَامُ مَأْخُوْذَةٌ مِنَ الشَّارِعِ وَقَدْ أَثْبَتَهُ. وَاخْتَلَفُوْا أَيْضًا فِيْمَا لَمْ يَرِدْ لَهُ مِنَ السُّنَّةِ مُعَارِضٌ وَلَا شُبْهَةٌ، فَقَالَ مَالِكٌ بِدْعَةٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ بِبِدْعَةٍ، وَاسْتَنَدَ لِحَديْثِ {مَا تَرَكْتُهُ لَكُمْ فَهُوَ عَفْوٌ}، قَالَ وَعَلَى هَذَا اِخْتِلَافُهُمْ فِيْ ضَرْبِ الْإِدَارَةِ وَالذِّكْرِ بِالْجَهْرِ وَالْجَمْعِ وَالدُّعَاء، إِذْ وَرَدَ فِي الْحَدِيْثِ اَلتَّرْغِيْبُ فِيْهِ وَلَمْ يَرِدْ عَنِ السَّلَفِ فِعْلُهُ. ثُمَّ كُلُّ قَائِلٍ لَا يَكُوْنُ مُبْتَدِعًا عِنْدَ الْقَائِلِ بِمُقَابِلِهِ لِحُكْمِهِ بِمَا أَدَّاهُ اِجْتِهَادُهُ الَّذيْ لَا يَجُوْزُ تَعَدِّيْهِ، وَلَا يَصحُّ لَهُ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ مُقَابِلِهِ لِقِيَامِ شُبْهَتِهِ، وَلَوْ قِيْلَ بِذَلِكَ لَأَدَّى إِلَى تَبْدِيْعِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ حُكْمَ اللهِ تَعَالَى فِيْ مُجْتَهِدِ الْفُرُوْعِ مَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اِجْتِهَادُهُ، سَوَاءٌ قُلْنَا اَلْمُصِيْبُ وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّمَ: {لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ اَلْعَصْرَ إِلَّا فِيْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَدْرَكَهُمْ الْعَصْرُ فِي الطَّرِيْقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا بِالعَجَلَةِ، وَصَلَّوْا فِيْ الطَرِيْقِ، وَقَالَ آخَرُوْنَ أُمِرْنَا بِالصَلَاةِ هُنَاكَ، فَأَخَّرُوْا، وَلَمْ يَعِبْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ}، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ الْعَمَلِ بِمَا فَهِمَ مِنَ الشَّارِعِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ هَوًى.

(اَلْمِيْزَانُ الثَّالِثُ) مِيْزَانُ التَّمْيِيْزِ بِشَوَاهِدِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ تَفْصِيْلِيٌّ يَنْقَسِمُ إِلَى أَقْسَامِ الشَّرِيْعَةِ السِّتَّةِ، أَعْنِيْ اَلْوُجُوْبَ وَالنَّدْبَ وَالتَّحْرِيْمَ وَالْكَرَاهَةَ وَخِلَافَ الْأَوْلَى وَالْإِبَاحَةَ، فَكُلُّ مَا اِنْحَازَ لِأَصْلٍ بِوَجْهٍ صَحِيْحٍ وَاضِحٍ لَا بُعْدَ فِيْهِ أُلْحِقَ بِهِ، وَمَا لَا فَهُوَ بِدْعَةٌ. وَعَلَى هَذَا الْمِيْزَانِ جَرَى كَثِيْرٌ مِنَ الْمُحَقِّقِيْنَ وَاعْتَبَرَهَا مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ لِلتَّقْرِيْبِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ قَالَ: وَأَقْسَامُهَا ثَلَاثَةٌ، اَلْبِدَعُ الصَّرِيْحَةُ، وَهِيَ مَا أُثْبِتَتْ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ شَرْعِيٍّ فِيْ مُقَابَلَةِ مَا ثَبَتَ شَرْعًا مِنْ وَاجِبٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ مَنْدُوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَمَاتَتْ سُنَّةً أَوْ أَبْطَلَتْ حَقًّا، وَهَذِهِ شَرُّ الْبِدَعِ، وَإِنْ كَانَ لَهَا أَلْفُ مُسْتَنَدٍ مِنَ الْأُصُوْلِ أَوِ الْفُرُوْعِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ. اَلثَّانِيْ اَلْبدَعُ الْإِضَافِيَّةُ، وَهِيَ الَّتِيْ تُضَافُ لِأَمْرٍ لَوْ سُلِّمَ مِنْهَا لَمْ تَصِحَّ الْمُنَازَعَةُ فِيْ كَوْنِهِ سُنَّةً أَوْ غَيْرَ بِدْعَةٍ بِلَا خِلَافٍ أَوْ عَلَى خِلَافٍ مِمَّا تَقَدَّمَ. اَلثَّالثُ اَلْبِدَعُ الْخِلَافِيَّةُ، وَهِيَ اَلْمَبْنيَّةُ عَلَى أَصْلَيْنِ يَتَجَاذَبُهَا كُلٌّ مِنْهُمَا، فَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ: بِدْعَةٌ، وَمَنْ قَالَ بِمُقَابِلِهِ قَالَ: سُنَّةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ فِيْ ضَرْبِ الْإِدَارَةِ وَذِكْرِ الْجَمَاعَةِ.

وَقَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدٌ وَلِيُّ الدِّيْنِ اَلشِّبْثِيْرِيُّ فِيْ شَرْحِ الْأَرْبَعِيْنَ النَّوَوِيَّةِ عَلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا اَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ

وَدَخَلَ فِي الْحَدِيْثِ اَلْعُقُوْدُ الْفَاسِدَةُ, وَالْحُكْمُ مَعَ الْجَهْلِ وَالْجَوْرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُوَافِقُ الشَّرْعَ. وَخَرَجَ عَنْهُ مَا لَا يَخْرُجُ عَنْ دَلِيْلِ الشَّرْعِ كَالْمَسَائِلِ الْاِجْتِهَادِيَّةِ الَّتِيْ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اَدِلَّتِهَا رَابِطٌ اِلَّا ظَنُّ الْمُجْتَهِدِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَتَحْرِيْرِ الْمَذَاهِبِ وَكُتُبِ النَّحْوِ وَالْحِسَابِ

وَلِذَا قَسَّمَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اَلْحَوَادِثَ اِلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ فَقَالَ : اَلْبِدْعَةُ فِعْلُ مَالَمْ يُعْهَدْ فِيْ عَصْرِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبَةً كَتَعَلُّمِ النَّحْوِ وَغَرِيْبِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِمَّا يُتَوَقَّفُ فَهْمُ الشَّرِيْعَةِ عَلَيْهِ, وَمُحَرَّمَةً كَمَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبَرِيَّةِ وَالْمُجَسِّمَةِ, وَمَنْدُوْبَةً كَإِحْدَاثِ الرُّبُطِ وَالْمَدَارِسِ وَكُلِّ إِحْسَانٍ لَمْ يُعْهَدْ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ, وَمَكْرُوْهَةً كَزُخْرُفَةِ الْمَسَاجِدِ وَتَزْوِيْقِ الْمَصَاحِفِ, وَمُبَاحَةً كَالْمُصَافَحَةِ عَقِبَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَالتَّوَسُّعِ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .

فَإِذَا عَرَفْتَ مَا ذُكِرَ تَعْلَمُ اَنَّ مَا قِيْلَ : إِنَّهُ بِدْعَةٌ, كَاتِّخَاذِ السُّبْحَةِ, وَالتَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ, وَالتَّهْلِيْلِ عِنْدَ التَّصَدُّقِ عَنِ الْمَيِّتِ مَعَ عَدَمِ الْمَانِعِ عَنْهُ, وَزِيَارَةِ الْقُبُوْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَيْسَ بِبِدْعَةٍ

وَإِنَّ مَا أُحْدِثَ مِنْ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأَسْوَاقِ اللَّيْلِيَّةِ, وَاللَّعِبِ بِالْكُوْرَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ شَرِّ الْبِدَعِ.

(فَصْلٌ) فِيْ بَيَانِ تَمَسُّكِ أَهْلِ جَاوَى بِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَبَيَانِ ابْتِدَاءِ ظُهُوْرِ الْبِدَعِ وَانْتِشَارِهَا فِيْ أَرْضِ جَاوَى، وَبَيَانِ أَنْوَاعِ الْمُبْتَدِعِيْنَ فِيْ هَذَا الزَّمَانِ

قَدْ كَانَ مُسْلِمُوا الْأَقْطَارِ الْجَاوِيَةِ فِي الْأَزْمَانِ السَّالِفَةِ الْخَالِيَةِ مُتَّفِقِي الْآرَاءِ وَالْمَذْهَبِ وَمُتَّحِدِي الْمَأْخَذِ وَالْمَشْرَبِ، فَكُلُّهُمْ فِي الْفِقْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ النَّفِيْسِ مَذْهَبِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيْسَ، وَفِيْ أُصُوْلِ الدِّيْنِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشَعَرِيِّ، وَفِي التَّصَوُّفِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ وَالْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِيْنَ

ثُمَّ إِنَّهُ حَدَثَ فِيْ عَامِ اَلْفٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَثَلَاثِيْنَ أَحْزَابٌ مُتَنَوِّعَةٌ وَآرَاءٌ مُتَدَافِعَةٌ وَأَقْوَالٌ مُتَضَارِبَةٌ، وَرِجَالٌ مُتَجَاذِبَةٌ، فَمِنْهُمْ سَلَفِيُّوْنَ قَائِمُوْنَ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَسْلَافُهُمْ مِنَ التَّمَذْهُبِ بِالْمَذْهَبِ الْمُعَيَّنِ وَالتَّمَسُّكِ بِالْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُتَدَاوِلَةِ، وَمَحَبَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِيْنَ، وَالتَّبَرُّكِ بِهِمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، وَزِيَارَةِ الْقُبُوْرِ وَتَلْقِيْنِ الْمَيِّتِ وَالصَّدَقَةِ عَنْهُ وَاعْتِقَادِ الشَّفَاعَةِ وَنَفْعِ الدُّعَاءِ وَالتَّوَسُّلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَمِنْهُمْ فِرْقَةٌ يَتَّبِعُوْنَ رَأْيَ مُحَمَّدْ عَبْدُهْ وَرَشِيدْ رِضَا ، وَيَأْخُذُوْنَ مِنْ بِدْعَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ النَّجْدِيْ ، وَأَحْمَدَ بْنِ تَيْمِيَّةَ وَتِلْمِيْذَيْهِ ابْنِ الْقَيِّمِ وَعَبْدِ الْهَادِيْ

فَحَرَّمُوْا مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُوْنَ عَلَى نَدْبِهِ ، وَهُوَ السَّفَرُ لِزِيَارَةِ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَخَالَفُوْهُمْ فِيْمَا ذُكِرَ وَغَيْرِهِ.

وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيْ فَتَاوِيْهِ : وَإِذَا سَافَرَ لِاعْتِقَادِ أَنَّها أَيْ زِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَاعَةٌ ، كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِيْنَ ، فَصَارَ التَّحْرِيْمُ مِنَ الْأَمْرِ الْمَقْطُوْعِ بِهِ

قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مُحَمَّدْ بَخِيتْ اَلْحَنَفِيُّ اَلْمُطِيْعِيُّ فِيْ رِسَالَتِهِ اَلْمُسَمَّاةِ تَطْهِيْرَ الْفُؤَادِ مِنْ دَنَسِ الْإِعْتِقَادِ : وَهَذَا الْفَرِيْقُ قَدْ اُبْتُلِيَ الْمُسْلِمُوْنَ بِكَثِيْرٍ مِنْهُمْ سَلَفًا وَخَلَفًا ، فَكَانُوْا وَصْمَةً وَثُلْمَةً فِي الْمُسْلِمِيْنَ وَعُضْوًا فَاسِدًا يَجِبُ قَطْعُهُ حَتَّى لَا يُعْدِى الْبَاقِيَ ، فَهُوَ كَالْمَجْذُوْمِ يَجِبُ الْفِرَارُ مِنْهُمْ ، فَإِنَّهُمْ فَرِيْقٌ يَلْعَبُوْنَ بِدِيْنِهِمْ يَذُمُّوْنَ الْعُلَمَاءَ سَلَفًا وَخَلَفًا. وَيَقُوْلُوْنَ : إِنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُوْمِيْنَ فَلَا يَنْبَغِيْ تَقْلِيْدُهُمْ ، لَا فَرْقَ فِيْ ذَلِكَ بَيْنَ

الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ يَطْعَنُوْنَ عَلَيْهِمْ وَيُلْقُوْنَ الشُّبَهَاتِ ، وَيَذُرُّوْنَهَا فِيْ عُيُوْنِ بَصَائِرِ الضُّعَفَاءِ ، لِتَعْمَى أَبْصَارُهُمْ عَنْ عُيُوْبِ هَؤُلَاءِ

وَيَقْصِدُوْنَ بِذَلِكَ إِلْقَاءَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ ، بِحُلُوْلِهِمْ اَلْجَوَّ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ، يَقُوْلُوْنَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُوْنَ ، يَزْعُمُوْنً أَنَّهُمْ قَائِمُوْنَ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوْفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، حَاضُّوْنَ النَّاسَ عَلَى اتِّبَاعِ الشَّرْعِ وَاجْتِنَابِ الْبِدَعِ ، وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُوْنَ .

قُلْتُ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ. قَالَ الْقَاضيْ عِيَاضٌ فِي الشِّفَا: وَكَانَ مُعْظَمُ فَسَادِهِمْ عَلَى الدِّيْنِ وَقَدْ يَدْخُلُ فِيْ أُمُوْرِ الدُّنْيَا بِمَا يُلْقُوْنَ بَيْنَ الْمُسْلِمِيْنَ مِنَ الْعَدَاوَةِ الدِّيْنِيَّةِ الَّتِيْ تَسْرِيْ لِدُنْيَاهُمْ. قَالَ الْعَلَّامَةُ مُلَّا عَلِيٍّ اَلْقَارِيِّ فِيْ شَرْحِهِ: وَقَدْ حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى اَلْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيْدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوْقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ }.

وَمِنْهُمْ رَافِضِيُّوْنَ يَسُبُّوْنَ سَيِّدَنَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَيَكْرَهُوْنَ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَيُبَالِغُوْنَ هَوَى سَيِّدِنَا عَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ. قَالَ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ فِيْ شَرْحِ الْقَامُوْسِ: وَبَعْضُهُمْ يَرْتَقِيْ إِلَى الْكُفْرِ وَالزَّنْدَقَةِ أَعَاذَنَا اللهُ وَالْمُسْلِمِيْنَ مِنْهَا. قَالَ الْقَاضِيْ عِيَاضٌ فِي الشِّفَا: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اللهَ اللهَ فِيْ أَصْحَابِي اللهَ اللهَ فِيْ أَصْحَابِيْ، لَا تَتَّخِذوْهُمْ غَرَضًا بَعْدِيْ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبّيْ أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِيْ أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِيْ، وَمَنْ آذَانِيْ فَقَدْ آذَى اللهَ، وَمَنْ آذَى اللهَ يُوْشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ}، وَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا تَسُبُّوْا أَصْحَابِيْ، فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَاسِ أَجْمَعِيْنَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفاً ولاَ عَدْلاً}، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فإنهُ يَجِىْءُ قَوْمٌ فِيْ آخِرِ الزَمَانِ يَسُبُّوْنَ أَصْحَابِيْ، فَلاَ تُصَلوّا عَلَيْهِمْ، وَلاَ تُصَلَوّا مَعَهُمْ، وَلاَ تناكِحُوْهُمْ، وَلاَ تُجَالِسُوْهُمْ، وَإِنْ مَرِضُوْا فَلاَ تَعُوْدُوْهُم }، وَعَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ سَبَّ أَصْحَابِيْ فَاضْرِبُوْهُ}، وَقَدْ أَعْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ سَبَّهُمْ وَأَذَاهُمْ يُؤْذِيْهِ، وَآذَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَامٌ، فَقَالَ: {لَا تُؤْذُوْنِيْ فِيْ أَصْحَابِيْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِيْ}، وَقَالَ: {لَا تُؤْذُوْنِيْ فِيْ عَائِشَةَ}، وَقَالَ فِيْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: {بِضْعَةٌ مِنِّيْ، يُؤْذِيْنِيْ مَا آذَاهَا}.

وَمِنْهُمْ إِبَاحِيُّوْنَ يَقُوْلُوْنَ: إِنَّ الْعَبْدَ إذَا بَلَغَ غَايَةَ الْمَحَبَّةِ وَصَفَا قَلْبُهُ مِنَ الْغَفْلَةِ، وَاخْتَارَ الْإِيْمَانَ عَلَى الْكُفْرِ وَالْكُفْرَانِ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَلَا يُدْخِلُهُ اللهُ النَّارَ بِارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ. وَبَعْضُهُمْ يَقُوْلُ: إِنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُ الْعِبَادَاتُ الظَّاهِرَةُ وَتَكُوْنُ عِبَادَتُهُ التَّفَكُّرَ وَتَحْسِيْنَ الْأَخْلَاقِ الْبَاطِنَةِ. قَالَ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ فِيْ شَرْحِ الْإِحْيَاءِ: وَهَذَا كُفْرٌ وَزَنْدَقَةٌ وَضَلَالَةٌ، وَلَكِنْ اَلْإِبَاحِيُّوْنَ مَوْجُوْدُوْنَ مِنْ قَدِيْمِ الزَّمَانِ، جُهَّالٌ ضَلَّالٌ لَيْسَ لَهُمْ رَأْسٌ يَعْلَمُ الْعِلْمَ الشَّرْعِيَّ كَمَا يَنْبَغِيْ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ وَانْتِقَالِهَا أَبَدَ الْآبَادِ فِي الْأَشْخَاصِ تَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْآخَرِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ. وَزَعَمَ هَؤُلَاءِ أَنَّ تَعْذِيْبَهَا وَتَنْعِيْمَهَا فِيْهَا بِحَسَبِ زَكَائِهَا وَخُبْثِهَا. قَالَ الشِّهَابُ الْخَفَاجِيُّ فِيْ شَرْحِهِ عَلَى الشِّفَا: وَقَدْ كَفَّرَهُمْ أَهْلُ الشَّرْعِ لِمَا فِيْهِ مِنْ تَكْذِيْبِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ وَكُتُبِهِ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْحُلُوْلِ وَالْاِتِّحَادِ، وَهُمْ جَهَلَةُ الْمُتَصَوِّفَةِ، يَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ تَعَالَى اَلْوُجُوْدُ الْمُطْلَقُ، وَإِنَّ غَيْرَهُ لَا يَتَّصِفُ بِالْوُجُوْدِ أَصْلًا، حَتَّى إِذَا قَالُوْا: اَلْإِنْسَانُ مَوْجُوْدٌ، فَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِالْوُجُوْدِ الْمُطْلَقِ، وَهُوَ اللهُ تَعَالَى.

قَالَ الْعَلَّامَةُ اَلْأَمِيْرُ فِيْ حَاشِيَةِ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهُوَ كُفْرٌ صَرِيْحٌ، وَلَا حُلُوْلَ وَلَا اِتِّحَادَ، فَإِنْ وَقَعَ مِنْ أَكَابِرِ الْأَوْلِيَاءِ مَا يُوْهِمُ ذَلِكَ أُوِّلَ بِمَا يُنَاسِبُهُ كَمَا يَقَعُ مِنْهُمْ فِيْ وَحْدَةِ الْوُجُوْدِ، كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: “مَا فِي الْجُبَّةِ إِلَّا اللهُ”، أَرَادَ أَنَّ مَا فِي الْجُبَّةِ، بَلْ وَالْكَوْنِ كُلِّهِ لَا وُجُوْدَ لَهُ إِلَّا بِاللهِ. وَقَالَ فِيْ لَوَاقِحِ الْأَنْوَارِ: مِنْ كَمَالِ الْعِرْفَانِ شُهُوْدُ عَبْدٍ وَ رَبٍّ، وَكُلُّ عَارِفٍ نَفَى شُهُوْدَ الْعَبْدِ فِيْ وَقْتٍ مَا فَلَيْسَ هُوَ بِعَارِفٍ، وَإِنَّمَا هُوَ فِيْ ذَلِكَ الْوَقْتِ صَاحِبُ حَالٍ، وَصَاحِبُ الْحَالِ سَكْرَانُ لَا تَحْقِيْقَ عِنْدَهُ، فَظَهَرَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِوَحْدَةِ الْوُجُوْدِ وَالْاِتِّحَادِ فِيْ مَذْهَبِ الْقَوْمِ لَيْسَ عَلَى الظَّاهِرِ الْمُتَوَهَّمِ. وَإِذَا كَانَتْ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ يَقُوْلُوْنَ: “مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُوْنَا إِلَى اللهِ زُلْفَى”، وَلَمْ يَقُوْلُوْا: “هُمْ اَللهُ”، كَيْفَ يُظَنُّ ذَلِكَ بِالْعَارِفِيْنَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ قَوْلُ الْعَارِفِ:

وَعِلْمُكَ أَنَّ كُلَّ الْأَمْرِ أَمْرِيْ >< هُوَ الْمَعْنَى الْمُسَمَّى بِاتِّحَادِ

وَلَا بُدَّ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ مِنْ حَظٍّ فِيْ هَذَا الْمَقَامِ وَإِنْ تَفَاوَتُوْا. وَإِنَّمَا أَطَلْتُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الطَّائِفَةِ لِأَنَّ ضَرَرَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِيْنَ أَكْثَرُ مِنْ ضَرَرِ جَمِيْعِ الْكَفَرَةِ وَالْمُبْتَدِعِيْنَ، فَإِنَّ كَثِيْرا مِنَ النَّاسِ يُعَظِّمُوْنَهُمْ وَيَسْمَعُوْنَ كَلَامَهُمْ مَعَ جَهْلِهِمْ بِأَسَالِيْبِ الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ. وَقَدْ رَوَى الْأَصْمُعِيُّ عَنِ الْخَلِيْلِ عَنْ أَبِيْ عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ أَنَّهُ قَالَ: أَكْثَرُ مَنْ تَزَنْدَقَ بِالْعِرَاقِ لِجَهْلِهِمْ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَهُمْ بِاعْتِقَادِهِمْ اَلْحُلُوْلَ وَالْاِتِّحَادَ كَفَرَةٌ.

قَالَ الْقَاضِي الْعِيَاضُ فِي الشِّفَا: إِنَّ كُلَّ مَقَالَـةٍ صَرَّحَتْ بِنَفْيِ الرُّبُـوْبِـيَّةِ أَو الوَحْدَانِيَّةِ أَوْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ أَوْ مَعَ اللهِ فَهِيَ كُفْرٌ كَمَقَالَةِ الدَّهْرِيَّةِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوْسِ وَالَّذِيْنَ أَشْرَكُوْا بِعِبَادَةِ الأَوْثَانِ أَوْ الْمَلاَئِكَةِ أَو الشَّيَاطِيْنِ أَو الشَّمْسِ أَو النُّجُوْمِ أَو النَّارِ أَوْ أَحَدٍ غَيْرِ اللهِ. وَكَذلِكَ أَصْحَابُ الْحُلُوْلِ وَالتَّـنَاسُخِ، وَكَذلِكَ مَنْ اعْـتَرَفَ بِإِلـهِيَّةِ اللهِ وَوَحْدَانِـيَّتِهِ وَلكنَّهُ اعْتَـقَدَ أَنَّهُ غَيْرُ حَيٍّ أَوْ غَيْرُ قَدِيْمٍ أَوْ أَنَّهُ مُحْدَثٌ أَوْ مُصَوَّرٌ، أَوْ ادَّعَى لَهُ وَلَدًا أَوْ صَاحِبَةً، أَوْ أَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ شَىْءٍ أَوْ كَائِنٌ عَنْهُ، أَوْ أَنَّ مَعَهُ فِي الأَزَلِ شَيْئًا قَدِيْمًا غَيْرَهُ، أَوْ أَنَّ ثَمَّ صَانِعًا لِلْعَالَمِ سِوَاهُ أَوْ مُدَبِّرًا غَيْرَهُ، فَذلِكَ كُلُّهُ كُفْرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِيْنَ. وَكَذلِكَ مَن ادَّعَى مُجَالَسَةَ اللهِ تَعَالَى وَالعُرُوْجَ إِلَيْهِ وَمُكَالَمَتَهُ أَوْ حُلُوْلَهُ فِيْ أَحَدِ الأَشْخَاصِ كَقَوْلِ بَعْضِ الْمُتَصَوِّفَـةِ وَالبَاطِـنِيَّةِ وَالنَّصَارَى، وَكَذلِكَ نَقْطَعُ عَلَى كُفْرِ مَنْ قَالَ بِقِدَمِ العَالَمِ أَوْ بَقَائِـهِ، أَوْ قَالَ بِتَـنَاسُخِ الأَرْوَاحِ وَانْتِـقَالِهَا أَبَدَ الآبَـادِ فِي الأَشْخَاصِ وَتَعْذِيْـبِهَا وَتَنْعِيْمِهَا بِحَسَبِ زَكَائِهَا وَخُبْثِهَا، وَكَذلِكَ مَنْ اعْـتَرَفَ بِالإِلـهِيَّةِ وَالوَحْدَانِـيَّةِ وَلكِنَّهُ حَجَدَ النُّـبُوَّةَ مِنْ أَصْلِهَا عُمُوْمًا أَوْ نُـبُوَّةَ نَبِيِّـنَا خُصُوْصًا، أَوْ أَحَدًا مِنَ الأَنْـبِيَاءِ الَّذِيْنَ نَصَّ اللهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِذلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ بِلاَ رَيْبٍ، وَكَذلِكَ مَنْ قَالَ إِنَّ نَبِيَّـنَا لَيْسَ الَّذِي كَانَ بِمَكَّةَ وَالْحِجَازِ، وَكَذلِكَ مَنْ ادَّعَى نُـبُوَّةَ أَحَدٍ مَعَ نَبِيِّـنَا أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مَن ادَّعَى النُّـبُوَّةَ لِنَفْـسِهِ، وَكَذلِكَ مَن ادَّعَى مِنْ غُلاَةِ الْمُتَصَوِّفَـةِ أَنَّـهُ يُوْحَى إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ النُّـبُوَّةَ، قَالَ فِي الأَنْوَارِ: وَيُقْطَعُ بِتَكْفِيْرِ كُلِّ قَائِلٍ قَوْلاً يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى تَضْلِيْلِ الأُمَّـةِ وَتَكْفِيْرِ الصَّحَابَةِ، وَكُلِّ فَاعِلٍ فِعْلاً لاَ يَصْدُرُ إِلاَّ مِنْ كَافِرٍ كَالسُّجُوْدِ لِلصَّلِيْبِ أَو النَّارِ، أَوْ الْمَشْيِ إِلَى الكَنَائِسِ مَعَ أَهْلِهَا بِزِيِّهِمْ مِنَ الزَّنَانِيْرِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا مَنْ أَنْكَرَ مَكَّةَ أَوِ الْكَعْبَةَ أَوِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ عِلْمُ ذَلِكَ وَمِمَّنْ خَالَطَ الْمُسْلِمِيْنَ.

(فَصْلٌ) فِيْ بَيَانِ خِطَّةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَبَيَانِ الْمُرَادِ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ

فِيْ هَذَا الْحِيْنِ، وَبَيَانِ أَهَمِّيَّةِ الْإِعْتِمَادِ بِأَحَدِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ

إِذَا فَهِمْتَ مَا ذُكِرَ عَلِمْتَ أَنَّ الْحَقَّ مَعَ السَّلَفِيِّيْنَ الَّذِيْنَ كَانُوْا عَلَى خِطَّةِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، فَإِنَّهُمْ اَلسَّوَادُ الْأَعْظَمُ، وَهُمْ اَلْمُوَافِقُوْنَ عُلَمَاءَ الْحَرَمَيْنِ

الشَّرِيْفَيْنِ وَعُلَمَاءِ الْأَزْهَرِ الشَّرِيْفِ اَلَّذِيْنَ هُمْ قُدْوَةُ رَهْطِ أَهْلِ الْحَقِّ وَفِيْهِمْ عُلَمَاءُ لَا يُمْكِنُ اِسْتِقْصَاءُ جَمِيْعِهِمْ مِنْ اِنْتِشَارِهِمْ فِي الْأَقْطَارِ وَالْآفَاقَ كَمَا لَا يُمْكِنُ إِحْصَاءُ نُجُوْمِ السَّمَاءَ.

وَقَدْ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَجْمَعُ أُمَّتِيْ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَيَدُ اللهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، مَنْ شَذَّ شَذَّ إِلَى النَّارِ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. زَادَ ابْنُ مَاجَهْ: {فَإذَا وَقَعَ الإِخْتِلاَفُ فَعَلَيْكَ بِالسَّوَادِ الأَعْظَمِ} مَعَ الْحَقِّ وَأَهْلِهِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيْرِ: {إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَجَارَ أُمَّتِيْ أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلَالَة}

وَأَكْثَرُهُمْ أَهْلُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، فَكَانَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ شَافِعِيًّا، أَخَذَ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ وَالزَّعْفَرَانِيِّ وَالْكَرَابِيْسِيِّ. وَكَذَلِكَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالنَّسَائِيُّ.

وَكَانَ الْإِمَامُ الْجُنِيْدُ ثَوْرِيًّا، وَالشِّبْلِيُّ مَالِكِيًّا، وَالْمُحَاسِبِيُّ شَافِعِيًّا، وَالْجَرَيْرِيُّ حَنَفِيًّا، وَالْجِيْلَانِيُّ حَنْبَلِيًّا، وَالشَّاذِلِيُّ مَالِكِيًّا .

فَالتَّقَيُّدُ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ أَجْمَعُ لِلْحَقِيْقَةِ، وَأَقْرَبُ لِلتَّبَصُّرِ، وَأَدْعَى لِلتَّحْقِيْقِ، وَأَسْهَلُ تَنَاوُلًا. وَعَلَى هَذَا دَرَّجَ اَلْأَسْلَافُ الصَّالِحُوْنَ، وَالشُّيُوْخُ الْمَاضُوْنَ رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِيْنَ.

فَنَحْنُ نَحُضُّ إِخْوَانَنَا عَوَامَّ الْمُسْلِمِيْنَ أَنْ يَتَّقُوْا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَأَنْ لَا يَمُوْتُوْا إِلَّا وَهُمْ مُسْلِمُوْنَ، وَأَنْ يُصْلِحُوْا ذَاتَ الْبَيْنِ مِنْهُمْ، وَأَنْ يَصِلُو الْأَرْحَامَ، وَأَنْ يُحْسِنُوْا إِلَى الْجِيْرَانِ وَالْأَقَارِبِ وَالْإِخْوَانِ، وَأَنْ يَعْرِفُوْا حَقَّ الْأَكَابِرِ، وَأَنْ يَرْحَمُوْا الضُّعَفَاءَ وَالْأصَاغِرَ وَنَنْهَاهُمْ عَنِ التَّدَابُرِ وَالتَّبَاغُضِ وَالتَّقَاطُعِ وَالتَّحَاسُدِ وَالْإفْتِرَاقِ وَالتَّلَوُّنِ فِي الدِّيْنِ،

وَنَحُثُّهُمْ أَنْ يَكُوْنُوْا إِخْوَانًا، وَعَلَى الْخَيْرِ أَعْوَانًا، وَأَنْ يَعْتَصِمُوْا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعًا، وَأَنْ لَا يَتَفَرَّقُوْا، وَأَنْ يَتَّبِعُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ كَالْإِمَامِ أَبِيْ حَنِيْفَةَ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِيْنَ، فَهُمْ اَلَّذِيْنَ قَدْ اِنْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى امْتِنَاعِ الْخُرُوْجِ عَنْ مَذَاهِبِهِمْ،

وَأَنْ يُعْرِضُوْا عَمَّا أُحْدِثَ مِنَ الْجَمْعِيَّةِ الْمُخَالِفَةِ لِمَا عَلَيْهِ الْأَسْلَافُ الصَّالِحُوْنَ، فَقَدْ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ شَذَّ شَذَّ إِلىَ النَّارِ}،

وَأَنْ يَكُوْنُوْا مَعَ الْجَمَاعَةِ الَّتِيْ عَلَى طَرِيْقَةِ الْأَسْلَافِ الصَّالِحِيْنَ، فَقَدْ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ أَمَرَنِيَ اللهُ بِهِنَّ: اَلسّمْعِ وَالطَاعَةِ وَالْجِهَادِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيْدَ شِبْرٍ، فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ}، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: {عَلَيْكُمْ بِالْجَماعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مَعَ الْاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ. وَمَنْ أَرَادَ بُحْبُوْبَةَ الْجَنّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَماعَةَ}.

(فَصْلٌ) فِيْ بَيَانِ وُجُوْبِ التَّقْلِيْدِ لِمَنْ لَيْسَ لَهْ أَهْلِيَّةُ الْإِجْتِهَادِ

يَجِبُ عِنْدَ جُمْهُوْرِ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِيْنَ عَلَى كُلِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْإِجْتِهَادِ

الْمُطْلَقِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَصَلَ بَعْضُ الْعُلُوْمِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْإِجْتِهَادِ تَقْلِيْدُ قَوْلِ الْمُجْتَهِدِيْنَ وَالْأَخْذُ بِفَتْوَاهُمْ لِيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيْفِ بِتَقْلِيْدِ أَيِّهِمْ شَاءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْأَلوْا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُوْنَ}، فَأَوْجَبَ السُّؤَالَ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ تَقْلِيْدٌ لِعَالِمٍ، وَهُوَ عَامٌّ لِكُلِّ الْمُخَاطَبِيْنَ،

وَيَجِبُ أَنْ يَكُوْنَ عَامًّا فِي السُّؤَالِ عَنْ كُلِّ مَا لَا يُعْلَمُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْعَامَّةَ لَمْ تَزَلْ فِيْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ وَكُلِّ حُدُوْثِ الْمُخَالِفِيْنَ يَسْتَفْتُوْنَ الْمُجْتَهِدِيْنَ وَيَتَّبِعُوْنَهُمْ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعُلَمَاءَ، فَإِنَّهُمْ يُبَادِرُوْنَ إِلَى إِجَابَةِ سُؤَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ إِشَارَةٍ إِلَى ذِكْرِ الدَّلِيْلِ، وَلَا يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيْرٍ، فَكَانَ إِجْمَاعًا عَلَى اتِّبَاعِ الْعَامِّيِّ لِلْمُجْتَهِدِ،

وَلِأَنَّ فَهْمَ الْعَامِّيِّ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ سَاقِطٌ عَنْ حَيْزِ الْإِعْتِبَارِ، إِنْ لَمْ يُوَافِقْ أَفْهَامَ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْحَقِّ الْأَكَابِرِ الْأَخْيَارِ

فَإِنَّ كُلَّ مُبْتَدِعٍ وَضَالٍّ يَفْهَمُ أَحْكَامَهُ الْبَاطِلَةَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيَأْخُذُ مِنْهُمَا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يُغْنِيْ مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا.

وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ إِلْتِزَامُ مَذْهَبٍ فِيْ كُلِّ حَادِثَةٍ، وَلَوْ اِلْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى لَا يَجِبُ عَلِيْهِ الْإِسْتِمْرَارُ، بَلْ يَجُوْزُ لَهُ الْإِنْتِقَالُ إِلَى غَيْرِ مَذْهَبِهِ.

وَالْعَامِّيُّ الَّذِيْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظَرٌ وَاسْتِدْلَالٌ وَلَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا فِيْ فُرُوْعِ الْمَذْهَبِ إِذَا قَالَ: أَنَا شَافِعِيٌّ، لَمْ يُعْتَبَرْ هَذَا كَذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ،

وَقِيْلَ: إِذَا الْتَزَمَ الْعَامِّيُّ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا يَلْزَمُهُ الْإِسْتِمْرَارُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِعْتَقَدَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الَّذِيْ اِنْتَسَبَ إِلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ، فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمُوْجَبِ اعْتِقَادِهِ. وَلْلْمُقَلِّدِ تَقْلِيْدُ غَيْرِ إِمَامِهِ فِيْ حَادِثَةٍ، فَلَهُ أَنْ يُقَلِّدَ إِمَامًا فِيْ صَلَاةِ الظُّهْرِ مَثَلًا وَيُقَلِّدَ إِمَامًا آخَرَ فِيْ صَلَاةِ الْعَصْرِ.

وَالتَّقْلِيْدُ بَعْدَ الْعَمَلِ جَائِزٌ، فَلَوْ صَلَّى شَافِعِيٌّ ظَنَّ صِحَّةَ صَلَاتِهِ عَلَى مَذْهَبِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ بُطْلَانُهَا فِيْ مَذْهَبِهِ وَصِحَّتُهَا عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ فَلَهُ تَقْلِيْدُهُ وَيَكْتَفِيْ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ.

(فَصْلٌ) فِيْ لُزُوْمِ الْاِحْتِيَاطِ فِيْ أَخْذِ الدِّيْنِ وَأَخْذِ الْعِلْمِ وَالْإِنْذَارِ

عَنْ فِتْنَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْمُنَافِقِيْنَ وَالْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّيْنَ

يَلْزَمُ الْاِحْتِيَاطُ فِيْ أَخْذِ الْعِلْمِ، فَلَا يَأْخُذُ عَنْ غَيْرِ أَهْلِهِ. رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: {لَاتَحْمِلْ اَلْعِلْمَ عَنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَلَا تَحْمِلْهُ عَمَّنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالطَّلَبِ، وَلَا عَمَّنْ يَكْذِبُ فِيْ حَدِيْثِ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ لَا يَكْذِبُ فِيْ حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ}.

وَرَوَى ابْنُ سِيْرِيْنَ رَحِمَهُ اللهُ: {هَذَا الْعِلْمُ دِيْنٌ، فَانْظُرُوْا عَمَّنْ تَأْخُذُوْنَ دِيْنَكُمْ}. وَرَوَى الدَّيْلَمِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مَرْفُوْعًا: {اَلْعِلْمُ دِيْنٌ، وَالصَّلَاةُ دِيْنٌ، فَانْظُرُوْا عَمَّنْ تَأْخُذُوْنَ هَذَا الْعِلْمَ، وَكَيْفَ تُصَلُّوْنَ هَذِهِ الصَّلَاةَ، فَإِنَّكُمْ تُسْأَلُوْنَ يَومَ الْقِيَامَةِ}، فَلَا تَرْوُوْهُ إِلَّا عَمَّنْ تَحَقَّقَتْ أَهْلِيَّتُهُ

، بِأَنْ يَكُوْنَ مِنَ الْعُدُوْلِ الثِّقَاتِ الْمُتْقِنِيْنَ.

وَرَوَى مُسْلِمٌ فِيْ صَحِيْحِهِ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {سَيَكُوْنُ فِيْ آخِرِ أُمّتِيْ أُنَاسٌ يُحَدِّثُوْنَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوْا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُم}.

وَفِيْ صَحِيْحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يَكُوْنُ فِيْ آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُوْنَ كَذَّابُوْنَ، يَأْتُوْنَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيْثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوْا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلِّوْنَكُمْ وَلَا يَفْتِنُوْنَكُم}.

وَفِيْ صَحِيْحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: {إِنَّ فِي الْبَحْرِ شَيَاطِيْنَ مَسْجُوْنَةً أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ. يُوْشِكُ أَنْ تَخْرُجَ فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا}.

قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: مَعْنَاهُ أَنْ تَقْرَأَ شَيْئًا لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَتَقُوْلُ إِنَّهُ قُرْآنٌ لِتُغْرِبَهُ عَوَامَّ النَّاسِ.

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: {إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِيْ اَلْأَئِمَّةُ الْمُضِلُّوْنَ}.

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: {إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِيْ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيْمِ اللِّسَانِ}.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أَيْ كَثِيْرِ عِلْمِ اللِّسَانِ جَاهِلِ الْقَلْبِ وَالْعَمَلِ، اِتَّخَذَ الْعِلْمَ حِرْفَةً يَتَأَكَّلُ بِهَا وَأُبَّهَةً يَتَعَزَّزُ بِهَا ، يَدْعُو النَّاسَ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَيَفِرُّ هُوَ مِنْهُ. وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: {إِنِّيْ لَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِيْ مُؤْمِنًا وَلَا مُشْرِكًا، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَحْجُزُهُ إِيْمَانُهُ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُ فَيَقْمَعُهُ كُفْرُهُ، وَلَكِنْ أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ مُنَافِقًا عَاِلِمَ اللِّسَانِ يَقُوْلُ مَا تَعْرِفُوْنَ وَيَعْمَلُ مَا تُنْكِرُوْنَ}.

وَعَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى قَالَ: قَالَ لِيْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: {هَلْ تَعْرِفُ مَا يَهْدِمُ الْإِسْلَامَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: يَهْدِمُهُ زَلَّةُ الْعَالِمْ، وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْكِتَابِ، وَحُكْمُ الْأَئِمَّةُ الْمُضِلِّيْنَ}.

(فَصْلٌ) فِيْ ذِكْرِ الْأَحَادِيْثِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَاتِ فِيْ رَفْعِ الْعِلْمِ وَنُزُوْلِ الْجَهْلِ وَإِنْذَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِعْلَامِهِ بِأَنَّ الْآخِرَ شَرٌّ، وَأَنَّ أُمَّتَهُ سَتَتْبَعُ الْمُحْدَثَاتِ مِنَ الْأُمُوْرِ وَالْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ ،

وَأَنَّ الدِّيْنَ إِنَّمَا يَبْقَى عِنْدَ خَاصَّةٍ مِنَ النَّاسِ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ اَلْعَسْقَلَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِيْ فَتْحِ الْبَارِيْ: {يَقْبِضُ اللهُ الْعُلَمَاءَ، وَيَقْبِضُ الْعِلْمَ مَعَهُمْ، فَتَنْشَأُ أَحَدَاثٌ يَنْزُوْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ نَزْوَ الْعِيْرِ عَلَى الْعِيرِ، وَيَكُوْنُ الشَّيْخُ فِيْهِمْ مُسْتَضْعَفًا}.

وَرَوَى أَبُوْ أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمَّا كَانَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ قَامَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمَلٍ آدَمَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوْا مِنَ الْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ، وَقَبلَ أَنْ يُرفَعَ مِنَ الْأَرْضَ، اَلَا إِنَّ ذَهَابَ الْعِلمِ ذَهَابُ حَمَلَتِهِ. فَسَأَلَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ كَيْفَ يُرْفَعُ الْعِلْمُ مِنَّا وَبَيْنَ أَظْهُرِنَا الْمَصَاحِفُ، وَقَدْ تَعَلَّمْنَا مَا فِيْهَا وَعَلَّمْنَاهَا أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا وَخُدَّمَنَا، فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ وَهُوَ مُغضَبٌ، فَقَالَ: وَهَذِهِ الْيَهُوْدُ وَالنَّصَارَى بَينَ أَظْهُرِهِم اَلْمَصَاحِفُ وَلَمْ يَتَعَلَّقُوْا مِنهَا بِحَرْفٍ فِيْمَا جَاءَهُمْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ}.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: {لَا يَزَالُ النَّاسُ مُشْتَمِلِيْنَ بِخَيْرٍ مَا أَتَاهُمْ اَلْعِلْمُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَابِرِهِمْ، فَإِذَا أَتَاهُم اَلْعِلْمُ مِنْ قِبَلِ أَصَاغِرِهِم وَتَفَرَّقَتْ أَهْوَاؤُهُمْ هَلَكُوْا}.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِيْ صَحِيْحِهِ عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: {لَاتَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِيْ بِأَخْذِ الْقُرُوْنِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، فَقِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ كَفَارِسَ وَالرُّومِ؟ قَالَ: وَمَنْ اَلنَّاسُ إِلَّا هُمْ}.

وَعَنْ أَبِيْ سَعِيْدٍ اَلْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: { لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوْا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوْهُمْ قُلْنَا يَا رَسُوْلَ اللهِ الْيَهُوْدُ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ }. 

وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِنَّ أَوَّلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ خِيَارُهُم، وَآخِرَهَا شِرَارُهُمْ، مُخْتَلِفِيْنَ مُتَفَرِّقِيْنَ، فَمَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يَأْتِيْ إِلَى النَّاسِ مَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ}.

وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُوْلُ: {لَمْ يَزَلْ أَمْرُ بَنِيْ إِسْرَائِيْلَ مُسْتَقِيْمًا حَتَّى حَدَثَ فِيْهِم اَلْمُوَلَّدُوْنَ أَبْنَاءُ سَبَايَا الْأُمَمِ، فَأَحْدَثُوْا فِيْهِمْ اَلْقَوْلَ بِالرَّأْيِ، وَأَضَلُّوْا بَنِي إِسْرَائِيْلَ. قَالَ: وَكَانَ أَبِيْ يَقُوْلُ: اَلسُّنَنَ اَلسُّنَنَ فَإِنَّ السُّنَنَ قِوَامُ الدِّيْنِ}

وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ اَلزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى قَالَ: {إِنَّ الْيَهُوْدَ وَالنَّصَارَى إِنَّمَا انْسَلَخُوْا مِنَ الْعِلْمِ الَّذِيْ كَانَ بِأَيْدَيْهِم حِيْنَ اسْتَقَلُّوا الرَّأْيَ وَأَخَذُوْا فِيْهِ}.

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِيْ صَحِيْحِهِ عَنْ عُرْوَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: {حَجَّ عَلَيْنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللهَ لاَ يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاهُمُوهُ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ، فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُوْنَ بِرَأْيِهِمْ فَيَضِلُّوْنَ وَيُضِلُّوْنَ، فَحَدَّثْتُ بِهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو حَجَّ بَعْدُ، فَقَالَتْ يَا ابْنَ أُخْتِيْ اِنْطَلِقْ إِلَى عَبْدِ اللهِ فَاسْتَثْبِتْ لِيْ مِنْهُ الَّذِيْ حَدَّثْتَنِيْ عَنْهُ، فَجِئْتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فَحَدَّثَنِيْ بِهِ كَنَحْوِ مَا حَدَّثَنِيْ، فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَأَخْبَرْتُهَا، فَقَالَتْ وَاللهِ لَقَدْ حَفِظَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو}.

وَفِيْ فَتْحِ الْبَارِيْ عَنْ مَسْرُوْقٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: {لَا يَأْتِيْ عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا وَهُوَ أَشَرُّ مِمَّا كَانَ قَبْلَهُ، أَمَّا إِنِّيْ لَا أَعْنِيْ أَمِيرًا خَيْرًا مِنْ أَمِيْرٍ، وَلَا عَامًا خَيْرًا مِنْ عَامٍ، وَلَكِنْ عُلَمَاؤُكُم وَفُقَهَاؤُكُمْ يَذْهَبُونَ ثُمَّ لَا تَجِدُوْنَ مِنْهُمْ خَلَفًا، ثُمَّ يَجِيئُ قَوْمٌ يُفْتُوْنَ فِي الْأُمُوْرِ بِرَأيِهِمْ فَيَثْلِمُوْنَ الْإِسْلَامَ وَيَهْدِمُوْنَهُ}.

Wallohu a’lam. Semoga bermanfaat.

 

Sumber Baca Disini
Silahkan baca juga artikel terkait.

Pos terkait