إِعْرَابُ ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )
الْبَاءُ فِي : بِسْمِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ ; فَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ الْمَحْذُوفُ مُبْتَدَأٌ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ خَبَرُهُ ، وَالتَّقْدِيرُ ابْتِدَائِي بِسْمِ اللَّهِ ; أَيْ كَائِنٌ بِاسْمِ اللَّهِ ; فَالْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْكَوْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ .
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : الْمَحْذُوفُ فِعْلٌ تَقْدِيرُهُ ابْتَدَأْتُ ، أَوْ أَبْدَأُ ، فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالْمَحْذُوفِ ، وَحُذِفَتِ الْأَلِفُ مِنَ الْخَطِّ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ ، فَلَوْ قُلْتَ لِاسْمِ اللَّهِ بَرَكَةٌ أَوْ بِاسْمِ رَبِّكَ ، أَثْبَتَّ الْأَلِفَ فِي الْخَطِّ .
وَقِيلَ حَذَفُوا الْأَلِفَ ; لِأَنَّهُمْ حَمَلُوهُ عَلَى سِمٍ ، وَهِيَ لُغَةٌ فِي اسْمٍ .
وَلُغَاتُهُ خَمْسٌ : سِمٌ بِكَسْرِ السِّينِ وَضَمِّهَا ، اسْمٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا ، وَسُمَى مِثْلُ ضُحَى .
وَالْأَصْلُ فِي اسْمٍ : سُمُوٌ فَالْمَحْذُوفُ مِنْهُ لَامُهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي جَمْعِهِ أَسْمَاءُ وَأَسَامِي وَفِي تَصْغِيرِهِ ” سُمَيٌّ ” وَبَنَوْا مِنْهُ فَعِيلًا ، فَقَالُوا فُلَانٌ سَمِيُّكَ : أَيِ [ ص: 10 ] اسْمُهُ كَاسْمِكَ ، وَالْفِعْلُ مِنْهُ سَمَّيْتُ وَأَسْمَيْتُ ; فَقَدْ رَأَيْتَ كَيْفَ رَجَعَ الْمَحْذُوفُ إِلَى آخِرِهِ .
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : أَصْلُهُ وَسَمَ لِأَنَّهُ مِنَ الْوَسْمِ ، وَهُوَ الْعَلَامَةُ وَهَذَا صَحِيحٌ فِي الْمَعْنَى فَاسِدٌ اشْتِقَاقًا .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ أُضِيفَ الِاسْمُ إِلَى اللَّهِ ، وَاللَّهُ هُوَ الِاسْمُ ؟ .
قِيلَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الِاسْمَ هُنَا بِمَعْنَى التَّسْمِيَةِ ، وَالتَّسْمِيَةُ غَيْرُ الِاسْمِ ; لِأَنَّ الِاسْمَ هُوَ اللَّازِمُ لِلْمُسَمَّى ، وَالتَّسْمِيَةُ هُوَ التَّلَفُّظُ بِالِاسْمِ . وَالثَّانِي : أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ ، تَقْدِيرُهُ بِاسْمِ مُسَمَّى اللَّهِ . وَالثَّالِثُ أَنَّ اسْمًا زِيَادَةٌ ; وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ : إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا وَقَوْلُ الْآخَرِ : دَاعٍ يُنَادِيهِ بِاسْمِ الْمَاءِ أَيِ السَّلَامُ عَلَيْكُمَا ، وَنُنَادِيهِ بِالْمَاءِ .
وَالْأَصْلُ فِي اللَّهِ الْإِلَاءُ ، فَأُلْقِيَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ عَلَى لَامِ الْمَعْرِفَةِ ثُمَّ سُكِّنَتْ وَأُدْغِمَتْ فِي اللَّامِ الثَّانِيَةِ ، ثُمَّ فُخِّمَتْ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهَا كَسْرَةٌ ، [ وَرُقِّقَتْ إِذَا كَانَتْ قَبْلَهَا كَسْرَةٌ ] وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَقِّقُهَا فِي كُلِّ حَالٍ ، وَالتَّفْخِيمُ فِي هَذَا الِاسْمِ مِنْ خَوَاصِّهِ .
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ : هَمْزَةُ إِلَاهٍ حُذِفَتْ حَذْفًا مِنْ غَيْرِ إِلْقَاءٍ ، وَهَمْزَةُ إِلَاهٍ أَصْلٌ ; وَهُوَ مِنْ أَلِهَ يَأْلَهُ إِذَا عُبِدَ ، فَالْإِلَهُ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ أَيِ الْمَأْلُوهِ ، وَهُوَ الْمَعْبُودُ .
وَقِيلَ أَصْلُ الْهَمْزَةِ وَاوٌ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْوَلَهِ ، فَالْإِلَهُ تَوَلَّهُ إِلَيْهِ الْقُلُوبُ ; أَيْ تَتَحَيَّرُ .
وَقِيلَ أَصْلُهُ لَاهُ عَلَى فَعِلَ ، وَأَصْلُ الْأَلِفِ يَاءٌ ; لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي مَقْلُوبِهِ لَهِيَ أَبُوكَ ثُمَّ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ .
( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) صِفَتَانِ مُشْتَقَّتَانِ مِنَ الرَّحْمَةِ .
وَالرَّحْمَنُ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ . وَفِي الرَّحِيمِ مُبَالَغَةٌ أَيْضًا ; إِلَّا أَنَّ فَعْلَانًا أَبْلَغُ مِنْ فَعِيلٍ .
وَجَرُّهُمَا عَلَى الصِّفَةِ ; وَالْعَامِلُ فِي الصِّفَةِ هُوَ الْعَامِلُ فِي الْمَوْصُوفِ .
وَقَالَ الْأَخْفَشُ : الْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَوِيٌّ وَهُوَ كَوْنُهَا تَبَعًا وَيَجُوزُ نَصْبُهُمَا عَلَى إِضْمَارِ أَعْنِي ، وَرَفْعُهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ هُوَ .